تلوين الواقع بريشة الجمال
تلوين الواقع بريشة الجمال
جوزيف فهيم
31 أغسطس 2007
إخراج إبراهيم البطوط
يربط فيلم "إيثاكي" ما بين الصورة التسجيلية و المناظر المبتكرة
منذ حوالي سنتين ، عُرض الفيلم المصري المستقل (إيثاكي) بساقية الصاوي أمام جمهور اتسم بطابع الفضول وعدم الألفة مع مخرج الفيلم. ما أن بدأت تتوالى الصور الساحرة للفيلم واحدة تلو الأخرى ، حتى خيم الصمت على قاعة العرض.
على مدى سبعين دقيقة يدور الفيلم - الذي اقتبست فكرته من قصيدة للشاعر السكندري كفافيس- حول صراع مصور لتأليف فيلم مكون من خمس عشرة شخصية.
يقوم الفيلم على المزج بين الصورة التسجيلية والمناظر المبتكرة التي تم تصويرها بالقاهرة. إن الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال يتضح في سلسلة من الأحزان والصور الساحرة المصحوبة بإنجاز هائل للمطربة كريمة نايت.
يعد (إيثاكي) فيلماً فريداً عن الجمال النادر لمخرج لا يخشى ولوج رقعة جديدة دون ترك أُثر ما. إن الحقيقة الفاجئة أن المخرج إبراهيم البطوط يعتقد أنه كان من الممكن أن يخرج هذا العمل بشكل أفضل، إذا كنت أقل تعالياً. لم أصنع فيلماً يجذب أي شخص، وهذا كان خطئاً جلياً .
إن الصور المركبة على نحو خاص ، هي مفتاح الانطلاق لشخص ما قضى ستة عشر عاماً من حياته في عمل أفلام تسجيلية مميزة للتليفزيون الياباني والأمريكي والأوروبي لتغطية اثنتي عشرة حرباً.
تخرج البطوط من الجامعة الأمريكية متخصصاً في الفيزياء والإلكترونيات، وكانت وظيفته الأولى بعد التخرج هي مهندس صيانة في ستوديو فيديو القاهرة، حيث وقع في غرام الكاميرا وتعلم مبادئ المهنة.
وفي عام 1991 عمل البطوط لدى شركة انجليزية مستقلة تسمى (TV AM) ، بعد ذلك تفرغ للعمل الحر في عدد من القنوات التليفزيونية اليابانية والإنجليزية والأمريكية والفرنسية والألمانية.
التقط البطوط بعدسته عدداً من الأحداث الدالة بقوة على الست عشرة سنة الماضية، كحرب العراق وإيران، وسقوط تشاوشيسكو في رومانيا، والحرب الصومالية ، وحرب كوسوفو، والاحتلال الأمريكي للعراق.
يذكر البطوط إنه " قد عايش عددا ً من الأحداث المذهلة، ففي 1988، أطلق عليه البوليس المصري النار في محاولة لمنعه من تصوير هجومهم على بعض المناطق المتطرفة. وقد أطلق على الرصاص ثانيةً في البوسنة.
حتى جاء 2004- عندما تسلم جائزة روي بيك البريطانية عن فيلمه التسجيلي (المقابر الجماعية في العراق)- وعندها قرر بألا يستسلم.
يذكر البطوط: "كانت الأفلام المنافسة تدور حول فلسطين والعراق وأفغانستان والدول الأخرى، مما يعكس نوعاً ما طابع العمل الذي قمت به خلال السنوات الماضية. وقد أدركت أن الدور تدور مرة أخرى وأنه لن تتوقف" ويضيف: " لقد وضعوا أسماء كل الصحفيين الضحايا الذين ماتوا في الحرب، وكان خمسة منهم أصدقائي. لقد أدركت أنني أدور في حلقة من العنف. "
يشعر البطوط أن فيلمه التسجيلي الوحيد الذي أحدث فرقاً شاسعاً كان فيلماً يدور حول ختان الإناث في إثيوبيا وقد حاز على جائزة عام 1994 .
عندما عرض الفيلم للمرة الأولى في التليفزيون الألماني جلب عدداً من التبرعات لإثيوبيا بلغت حوالي 500.000 يورو. وقد عرض الفيلم هناك في عدد من التجمعات أيضاً. ويذكر البطوط : " لا أدري مدى التغيير الحادث ، ولكن أعتقد أنه ربما حدث نوع ما من التغيير"
ويعد فيلم إيثاكي بالنسبة للبطوط، مثل القاطرة التي تهرب به من الواقع إلى عالم الفن والخيال. إن الإقدام على تصوير فيلم "إيثاكي" بتمويل ذاتي وبمساعدة فريق ممثلين من الأصدقاء يعد بمثابة عملية تأملية واسشفائية.
فقد أجبرت الميزانية المنخفضة البطوط على استخدام الامكانيات المحدودة. ويعتقد البطوط أن " عالم السينما قد تغير مفهومه، وأن جماليات الفيلم لا تعني الصور الرائعة والساحرة. إنها تحاول أن تكون واقعية في مقابل الواقعية التي يحاصرنا بها التليفزيون يوميا.
وويفسر البطوط رد الفعل السعيد تجاه الفيلم- مشيراً إلى أن رأي النقاد حول أي فيلم يتضمن أقل قيمة فنية يرجع إلى الوضع المؤسف للأفلام المصرية.
يعود البطوط إلى عالم التسجيلي مع قناة الجزيرة بإنتاج فيلم ( أنا لاجئ من مصر) حول اللاجئين السودانيين وعصاباتهم العنيفة من الهيب هوب.
يذكر البطوط: " كم كنت منزعجاً لمدى عنصريتنا نحن المصريين" . وقد كان البطوط حانقاً أكثر بسبب رد الفعل المنافق للصحافة والرأي العام تجاه الهجمة الإسرائيلية على لبنان في العام الماضي بالمقارنة مع عدم الاكتراث ااذي ووجهت به المذبحة السودانية بحي المهندسين بالقاهرة في ديسمبر 2005 .
لم يبال أحد من الناس بهؤلاء البشر الذين لقوا حتفهم بوسط القاهرة، وقد ذكر : " ربما نحن متعاطفون لبنان لأننا نشاهد هيفاء وهبي ونانسي عجرم على التليفزيون ، بينما يقتل اللاجئون –جيراننا- في شوارعنا.
ويدحض لبطوط آراء هؤلاء الذين يبررون المذبحة السودانية بأن معدل الفقر في مصر عالٍ لا يحتمل إعانة مواطنين آخرين من دول أخرى، حيث يقول : " إننا نتضور جوعاً خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، وإننا منغمسون في الفساد والقمع خلال السنوات الخمسين الأخيرة، وما نفعله فقط هو وضع المشكلة على عاتق الآخرين."
"إنه لمن المحزن والكريه أن أرى ما يحدث في الشارع فقط لمجرد أنهم سود البشرة. لقد توقفت أن أفكر بشكل ممنطق عما يحدث في هذا البلد لأنني قد أفقط عقلي ، وأنا أريد الاحتفاظ بقواي العقلية. "
يميل فيلم البطوط التالي (عين شمس) إلى تصحيح الأخطاء التي يرى المخرج أنه قام بها في عمله الأول.
" أنني أؤمن شخصياً كمخرج مصري ، أنني لا أمتلك الرفاهية لإخراج تحفة فنية" وأضاف : " لست مهتماً الآن بعمل فيلم يمثل 1% فقط من مجتمعي، مع الفيلم الجديد أعتقد أنني نجحت في، بدرجة معينة، في تحقيق حلمي بإبداع لغة للفيلم لها مستويات مختلفة ومفهومة لدي أي شخص.
تدور قصة الفيلم حول بنت في الثانية عشرة من عمرها تسكن بعين شمس ، وتحلم بزيارة وسط المدينة. الخط الدرامي الخاص بالعراق جزء من القصة، لينبه على ما يؤمن به البطوط من تشابه بين المجتمعين.
يصمم البطوط على أن فيلمه الجديد كان نتيجة لتضافر جهود فريق عمله الذي منحه كل وقته وعمل جاهجاً ومؤمناً بالفكرة. هشام فاروق ومحمد عبد الفتاح (المخرج المساعد) ، والممثلون وباقي وباقي أفراد الفريق، كل هؤلاء كما يذكر البطوط سبباً لخروج هذا العمل إلى النور.
وقد ساعد الناقد الأستاذ سمير فريد – الذي شاهد الفيلم- البطوط لينضم إلى مهرجان المغرب في ديسمبر القادم. وقد اعبر أيضاً ضمن ما سيعرض في فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي.
وسوف يعرض فيما بعد عن موعد العرض الأول ، ويأمل البطوط في أن يقوم بعرضه على أهالي المنطقة المقيمين في عين شمس.